احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

الأخلاق العقلانية والأخلاق الدينية

"إنّ الحضارة لا تقوم إلا على مبدأ الإيثار ونكران الذات وتنظيم الإشباعات الغريزية تنظيماً اجتماعياً أخلاقياً يراعي مبادئ العدالة والحق والخير والجمال"

(جاك لاكان)

 

ومن هنا سنبدأ ، عندما اختار هذا النوع من الكائنات الحيّة الذي يسمّى الإنسان أن يعيش في مجتمعات كبرى، وتطلّع إلى بناء حضارته الخاصة، بدأت الحاجة الماسّة إلى تكوين منظومة الأخلاق التي ستساعده على تحقيق هذه الرؤية، منظومة الأخلاق التي ستشبع غرائزه وحاجاته هو وكل من يشاركه العيش في مجتمعه، وظلّت المنظومة الأخلاقية الإنسانية تتطوّر عبر العصور بناءً على هذا المبدأ، ولكن بأشكال تختلف من مكان لآخر، ولكن ظلّ هناك قدر مشترك في منظومة الأخلاق هذه  بين جميع أبناء هذا الجنس بالرغم  من التباعد الجغرافي، فلو طلبت ممن في الصين أو فرنسا أو الأردن أن يحددوا لك قائمة من السلوكيات الأخلاقية والسلوكيات اللاأخلاقية ستجد مشتركات كثيرة جداً فقد تجدهم يجمعون مثلاً على أن الصدق والوفاء والإخلاص والمسالمة صفات أخلاقية، وأن الكذب والخيانة والعنف صفات غير أخلاقية وهكذا.

ولكن قد تظهرالتجليات السلوكية لهذه الأفكار المشتركة بأشكال مختلفة تبعاً للمنطقة الجغرافية التي يعيش فيها الإنسان، فمثلاً قد يتجلى الوفاء في بعض المجتمعات بعدم حديث الأنثى مع ذكر إلّا شريك حياتها، وقد نرى في مكان آخر من العالم الأنثى ترقص مع شخص آخر غير شريك حياتها دون وجود أي مشلكة عنده، ومن هذا تتعدد الثقافات وأنماط السلوك الإنساني بالرغم من الإتفاق على قائمة طويلة من السلوكيات الأخلاقية.

"يبين فرويد أن التخلي الإرادي الواعي عن الإشباع المباشر للرغبات الطبيعية والميول البدائية، ولاسيما الجنسية منها، قد أصبح بديلاً لعملية المنع القسري الخارجي (الآتي من سلطة عليا)، ومن ثم فإن الضبط الذاتي لعملية إشباع الرغبات والميول قد أسس للمعايير والقيم الأخلاقية في المجتمع، وعلى هذا النحو تشكلت الحضارة الإنسانية، وبُنيت صروحها، كنتيجية طبيعية لانتصار الأخلاق في مواجهة الدوافع الهمجية الأولى"

(جاك لاكان)

 

 

وبعد أن فهمنا أن الأخلاق نشأت كحاجة ضرورية للإنسان حين قرر العيش في مجتمعات كبرى وقرر بناء حضارة إنسانية، وبالتالي عرفنا أن مصدر الأخلاق الطبيعي هو العقل، أي أن الوعي (العقل) الإنساني هو من أسس منظومة الأخلاق ولغايات محددة، وتوالت الأيام في تاريخ الإنسان وظهرت الأديان لتعطي تصورات عدة عنه وعن الكون والطبيعة وما إلى ذلك، وما سنتناوله هنا هو تصورها عن منظومة الأخلاق الإنسانية التي سيبنى عليها سلوك هذا الإنسان. وعليه يمكننا تصنيف بني الإنسان إلى قسمين:
1- قسم يستقي أخلاقه من العقل

2- قسم يستقي أخلاقه من الدين

 

 وهنا لا بد أن نغوص في أعماق السلوك الإنساني لنفهمه ونحلّله ونميّز أنماطه ونفهم دوافعه، ولا بد لنا هنا أن نتذكر فكرة (الجبل الجليدي في تحليل السلوك الإنساني) والتي نفهم منها أن السلوك معتمد على الأفكاروالمبادئ، وعندما نضرب مثال الجبل الجليدي نشبه السلوك برأس الجبل الجليدي الذي يظهر فوق الماء، والأفكار والمبادئ بجذر هذا الجبل الذي يغوص عميقاً تحت الماء.

 

وهنا لا بد أن نبيّن أن السلوك الأخلاقي قد يتشابه بين من يستقي أخلاقه من العقل ومن يستقي أخلاقه من الدين في بعض الأحيان، ولكننا سنبحث عن الفروقات بينهما في القيم والمبادئ والأفكار (جذر الجبل الجليدي) التي سيبنى عليها السلوك (رأس الجبل الجليدي)، ولتوضيح الفكرة سأضرب مثالاً :

- السلوك : معاملة الناس بصدق

- المبدأ العقلاني : أنا أعيش في مجتمع أريد أن أعامل فيه بصدق ولذلك سأكون صادقاً لأشيع الصدق أكثر

 

- المبدأ الديني : أخاف من العقوبة السماوية وأطمع في مكافأة سماوية وأمتثل لأوامر السلطة العليا

 

ولنفرض أن زيد هو من كان سلوكه عقلانياً وعمرو كان سلوكه دينياً، كلاهما صادق، ولكن صدق زيد هو سلوك له مبرره وعلّته، سلوك كان الباعث فيه داخلياً دون طمع في مكافأة أو خوف من عقوبة، أمّا عمرو فكان سلوكه امتثالاً لأمر سلطة أعلى منه، وبالتالي فقد يفعل السلوك دون النظر إلى علّته، وهنا تكمن المشكلة، فعندما فتحنا المجال لأن تكون أخلاقياتنا وسلوكنا مجرد امتثال لأوامر سلطة عليا  دون النظر إلى علّة هذا السلوك، بدأنا نرى سلوكيات جنونية مؤذية ليس لها مبرر عقلاني نهائياً تجتاح مجتمعاتنا، وهنا يحضرني قول ريتشارد دوكنز : "لا أظن أنني أريد لنفسي أخلاقية مطلقة، أظنّ أنني أريد لنفسي أخلاقية مدروسة، أخلاقية معلّلة، تم الجدل حولها والنقاش فيها"

وبالفعل ما نريده هو أن نعيش في مجتمع تكون أخلاقياته وسلوكياته لها علّة عقلية وحكمة واضحة تماماً، ولعلّ هذه النقطة تكون هي نقطة الإلتقاء التي تصلح أن تكون أساساً متيناً نستطيع أن نبني عليه أخلاقيات مجتمعنا ونطوّرها.

 

ربيع ابراهيم

19-10-2015

 

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق